منتديات بستان العارفين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات بستان العارفين

منتدى اسلامى
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم {اَللَهُ لا إِلَهَ إلا هو اَلحي ُ القَيَوم لا تأخذه سِنَةٌ ولا نوْمٌ لَّهُ مَا فيِِ السَمَاوَاتِ وَمَا في اَلأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَينَ أَيدِيهِمْ ِوَمَا خَلْفَهم وَلا َيُحِيطُونَ بشَيءٍ مِنْ علمِهِ إِلاَ بِمَا شَآء وَسعَ كُرْسِيُّهُ السَمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَلاَ يَؤُدُه حِفْظُهُمَا وَهُوَ العَليُّ العَظِيمُ

 

 من أسماء الله الحسنى المُعطي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ebrehim
Admin
ebrehim


عدد المساهمات : 1170
تاريخ التسجيل : 18/03/2011

من أسماء الله الحسنى   المُعطي       Empty
مُساهمةموضوع: من أسماء الله الحسنى المُعطي    من أسماء الله الحسنى   المُعطي       Emptyالثلاثاء أغسطس 07, 2012 10:04 pm

من أسماء الله الحسنى المُعطي




بسم الله الرحمن الرحيم




الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .



من أسماء الله الحسنى : ( المُعطي ) :



أيها الإخوة الكرام ، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى وهو اسم ( المعطي ) .



1 – ورودُ اسم ( المعطي ) في السنة الصحيحة :



لم يرد هذا الاسم في القرآن الكريم ، بل ورد في السنة ، ففي صحيح البخاري عَنْ مُعَاوِيَةَ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ ، وَاللَّهُ الْمُعْطِي ، وَأَنَا الْقَاسِمُ ، وَلَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ )) .

[ متفق عليه ]


2 – أعظمُ عطاءٍ من اللهِ هو العلمُ :



أول ملمح في الحديث كرامة العلم أعظم كرامة ، قال تعالى :



? وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا? .

( سورة النساء ) .

لأن الله سبحانه وتعالى أودع في الإنسان قوة إدراكية ، وما لم يبحث عن الحقيقة ، وما لم يطلب العلم فقد هبط من مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به .

لذلك : كرامة العلم أعظم كرامة عند الله ، فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم .





? هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ? .

( سورة الزمر ) .



? يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ? .

( سورة المجادلة ) .

فالله سبحانه وتعالى اعتمد في القرآن الكريم العلم والعمل كقيمتين مرجِّحتين بين خلقه ، فبطولة الإنسان أن تأتي مقاييس التفوق عنده كما هي في القرآن .

الناس في الدنيا يعظِّمون الأغنياء والأقوياء ، لكن القرآن الكريم بيّن لنا أن رتبة العلم أعلى الرتب :

? هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ? .



العلمُ بالله وبخَلق الله وبأمرِ الله :



وكما تعلمون هناك علم بخلقه ، وعلم بأمره ، وعلم به ، العلم بخلقه وبأمره يحتاجان إلى مدارسة ، إلى كتاب ، وإلى معلّم ، وإلى شهادة ، وإلى امتحان ، هذه مدارسة ، لكن العلم به يحتاج إلى مجاهدة .

على كلٍ في الملمح الأول من الحديث الشريف :

(( مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ )) .

والبطولة لا أن يكون طلب العلم في أوقاتك الهامشية ، يجب أن يكون طلب العلم جزءاً من خطتك في الحياة ، لأن هناك إنسانا بحسب فراغه يطلب العلم ، لكنْ عنده أشياء أساسية لا يعلو عليها شيء ، أما المؤمن فطلب العلم جزء أساسي من حياته ، ولا يعلو عليه شيء ، وقد قال سيدنا علي رضي الله عنه : << يل بني ، العلم خير من المال ، لأن العلم يحرسك ، وأنت تحرس المال ، والمال تنقصه النفقة ، والعلم يزكو على الإنفاق ، يا بني ، مات خزان المال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم في القلوب موجودة >> .

إذاً : في الإنسان حاجات سفلى ، وحاجات عليا ، الحاجة العليا الكبيرة طلب العلم ، فما لم يطلب الإنسان العلم لا يرقى إلى مستوى إنسانيته ، والإنسان من دون علم وُصِف في القرآن الكريم بأنه :





? كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ? .

( سورة الفرقان ) .





? مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ? .

( سورة الجمعة الآية : 5 ) .





? فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ? .

( سورة الأعراف الآية : 176 ) .

بل أبلغ من ذلك :



? كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ? .

( سورة المنافقون الآية : 4 ) .

لذلك الذي يرقى بالإنسان إلى مستوى إنسانيته ، وإلى مستوى يليق به هو طلب العلم .



3 – الماء من عطاء الله :



إلا أن الحديث فيه ملمح ثانٍ ، وهو موضوع درسنا :

(( وَاللهُ المُعْطِي وَأَنَا القَاسِمُ )) .

الملمح الثاني : أنه الأصل أن هذا الماء من عطاء الله ، نحن وضعناه في خزانات ، وسُقناه إلى البيوت بأنابيب ، ووزّعناه بقوارير ، هذا عمل ثانوي ، لا يعد من صلب الماء ، الماء منحة من الله عز وجل ، فكل شيء الأصل أنه عطاء من الله ، نحن تفننا بعرضه ، بتعليبه ، بتغليفه ، بوصوله ، أما الأصل فإن الله هو المعطي .

(( وَاللهُ المُعْطِي وَأَنَا القَاسِمُ )) .



4 – المعطي المانع :



دائماً وأبداً في الأسماء الحسنى أسماء يجب أن تلفظ معاً ، كاسم " الضار " ، الأولى أن يلفظ اسم " الضار " مع اسم " النافع " ، تقول : " الضار النافع " ، " المعطي المانع " ، " المعز المذل " ، لماذا ؟ لأن الله سبحانه وتعالى يمنع ليعطي ، ويأخذ ليعطي ، ويخفض لرفع ، ويذل ليعز ، لأن الإنسان حمل الأمانة ، لكنه قصر في حملها ، فتأتي المعالجة .

الفرق واضح جداً ، بين من يعين موظفاً ، ويعطيه مدة ستة أشهر ليمتحنه ، مهمة صاحب المؤسسة أن يحسب على هذا الموظف أخطاءه ، لكن بلا رحمة ، إذا كانت بحجم لا يحتمل ألغى عقده ، أما لو أن كان هذا الموظف ابنه فإنه يتابعه ، كل خطأ يوقفه عنده ، ويعطيه التوجيه ، لأن رحمة الأب تقتضي المتابعة ، ولأن الله رب العالمين رحيم بعباده ، فإذا أخطاء الإنسان تابعه بالمعالجة .

أنا أتصور لو أن الله سبحانه وتعالى لم يربِّ عباده فإن معظمهم إلى النار ، لكن هذا ربّاه بمرض ، هذا بقلق ، أو بشبح مصيبة ، أو بضيق معين ، الله عز وجل يسوقنا إلى بابه سوقاً ، وهذا من نِعم الله عز وجل ، فهو معطٍ ومانع ، خافض ورافع ، معز ومذل ، وقد ورد في الأثر :

(( إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء )) .

[ رواه الديلمي عن ابن عمر ] .

لا تستقيم الدنيا لأحَدٍ ، وهذا لحكمة بالغةٍ أرادها الله .

(( ودار تَرحٍ لا دار فرح )) .

فيها أحزان ، فيها آلام ، فيها فراق الأحبة ، فيها أمراض تصيب الأولاد أحياناً .

(( ودار ترح لا دار فرح فمن عرفها )) .

أي : مَن عرف حقيقة الدنيا .

(( لم يفرح لرخاء )) .

لأنه مؤقّت .

(( ولم يحزن لشدة )) .

لأنه مؤقّت ، الموت ينهي كل شدة ، الموت ينهي قوة القوي ، وغنى الغني ، وذكاء الذكي ، وصحة الصحيح ، لذلك :

(( فمن عرفها لم يفرح لرخاء ، ولم يحزن لشدة ، ألا وإن الله تعالى خلق الدنيا دار بلوى )) .



? وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ? .

( سورة المؤمنون ) .

لذلك :

((ألا وإن الله تعالى خلق الدنيا دارَ بلوى ، والآخرة دار عقبى ، فجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة وثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضا ، فيأخذ ويبتلي ليجزي )) .

في بعض الأحاديث القدسية ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ :

(( يَا ابْنَ آدَمَ ، مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي ، قَالَ : يَا رَبِّ ، كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ قَالَ : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ ؟ يَا ابْنَ آدَمَ ، اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي ، قَالَ : يَا رَبِّ ، وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ قَالَ : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي ؟ يَا ابْنَ آدَمَ ، اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي ، قَالَ : يَا رَبِّ ، كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ قَالَ : اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي ؟ )) .

[ أخرجه مسلم ]

الله عز وجل حينما أخذ من الإنسان بعض صحته ليعوِّضه أضعافاً مضاعفة من القرب والسكينة .

((أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ ؟ )) .

فهذه فكرة دقيقة جداً ، الله عز وجل يأخذ ليعطي ، يمنع ليعطي ، يخفض ليرفع يضر لينفع ، هذه الأسماء الأَولى أن تذكر مَثْنى مَثْنَى .



5 – من عطاء الله نعمة الإيجاد :



شيء آخر ، الله عز وجل ما الذي أعطانا إياه ؟ النعم الكبرى الصارخة ، أعطانا نعمة الإيجاد ، فإنه أوجدنا .



? هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا ? .

( سورة الإنسان ) .

أنت موجود ، لك كيان ، لك اسم ، لك زوجة ، لك أولاد ، لك بيت ، لك مكانة ، عندك قناعات .

لذلك نعمة الإيجاد النعمة الأولى ، وأنا أحياناً لما أتصفح كتابا ، وأطلع على تاريخ تأليفه ، فإذا كان تاريخ التأليف قبل ولادتي أتخذ موعظة كبيرة ، أنا في هذا التاريخ أين كنت ؟ ما لي اسم في الأرض كلها .



6 – من عطاء الله نعمةُ الإمداد :



منحك الله نعمة الإيجاد ، لا يكفي الإيجاد ، أعطاك جهاز تنفس الهواء ، أعطاك جهاز هضم ، هناك ماء ، وطعام ، ولحوم ، وخضراوات ، ومحاصيل ، وأنت بحاجة إلى طرف آخر فخلق المرأة من أجلك ، وخلقك من أجلها ، أعطاك النصف الآخر ، فأنجبت أولادا ملؤوا البيت فرحة ، منحك نعمة الإيجاد ، ومنحك نعمة الإمداد .



7 – من عطاء الله نعمةُ الهدى والرشاد :



أحيانا يشق الطريق ، بعد حين توجد الشاخصات ، هنا منحدر زلق ، وهنا تقاطع خطر ، وهنا الطريق ضيقة ، هذه الشاخصات هداية للسائقين .

فبعد أن منحك نعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد ، منحك نعمة الهدى والرشاد ، هذه نعم كبرى ، فضلاً على أنها نِعَمٌ لا تعد ولا تحصى .



8 – من عطاء الله تسخير الكون تسخير تعريف وتكريم :



لكن الكون أكبر ثابت في الإيمان ، هذا الكون بنص القرآن الكريم سُخر للإنسان تسخير تعريف وتكريم ، الدليل :



? وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ? .

( سورة الجاثية الآية : 13 ) .

بالمناسبة ، المسخَّر له أكرم من المسخَّر ، الإنسان سُخِّر له ما في الكون ، فهو المسخَّر له ، وهو أكرم عند الله من الشيء المسخَّر ، وهذه حقيقة أولى ، الإنسان هو المخلوق المكرَّم المكلَّف .



? إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ? .

( سورة الأحزاب الآية : 72 ) .

لأنه قَبِل حمل الأمانة ، كان المخلوق الأول تكريما وتكليفا ، لذلك قال سيدنا علي : << رُكِّب الملَك من عقل بلا شهوة ، ورُكّب الحيوان من شهوة بلا عقل ، ورُكّب الإنسان من كليهما ، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة ، وإن سَمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان >> ، هذا الكلام خطير جداً تؤكده الآية الكريمة :



? إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ? .

( سورة البينة ) .

على الإطلاق ، لمجرد أنك إنسان في الأصل فأنت فوق المخلوقات جميعاً :



? إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ?

بالمقابل : << وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان >> .



? إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ? .

( سورة البينة ) .

بين أن تكون أرقى من الملائكة ، وبين أن يكون الإنسان الذي كفر بربه دون أحقر حيوان فراق كبير جدا ، فلذلك أعطانا هذا الكون ، وسخّره لنا تسخير تعريف وتكريم .



موقف المؤمن من تسخير التعريف والتكريم :



لو أن إنسانا قدّم لك جهازا متطورا جداً ، وفيه قفزة نوعية بخصائصه ، وهو من اختراعه ، فقدمه لك هدية ، يجب أن ينتابك شعورٌ ، شعور التعظيم له على هذا الإنجاز العلمي الكبير ، وشعور الامتنان ، لأنه قدّمه لك مجاناً ، ولأن الله سبحانه وتعالى سخر للإنسان :

? مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ?

تسخير تعريف وتكريم ، فردّ فعل التعريف أن تؤمن ، ورد فعل التكريم ، أن تشكر ، لمجرد أنك آمنت ، وشكرت فقد حققت الهدف من وجودك ، وإذا حُقق الهدف من الوجود تتوقف كل أنواع المعالجة ، الآية :



? مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ? .

( سورة النساء الآية : 147 ) .

إذا آمنت بهذا الإله العظيم ، والرب الكريم ، والمسيّر الحكيم ، صاحب الأسماء الحسنى ، والصفات الفضلى ، إنك إن آمنت ، ثم أيقنت أنه منحك نعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد ، ونعمة الهدى والرشاد فقد حققت الهدف من وجودك ، لذلك تتوقف عندها جميع أنواع المعالجات ، والآية دقيقة جداً :

? مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ? .

(( يَا عِبَادِي ، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا ، يَا عِبَادِي ، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا ، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ ، فَسَأَلُونِي ، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ )) .

[ رواه سلم عن أبي ذرّ رضي اللّه عنه ]

لأن عطائي كلام ، وأخذي كلام ، كن فيكون ، زل فيزول .

الآن الدقة البالغة في الحديث :

(( فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ )) .

[ رواه سلم عن أبي ذرّ رضي اللّه عنه ]

لا تعتب على أحد .



? وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ? .

( سورة الشورى ) .

(( ما من عثرة ، واختلاج عرق ، وخدش عود ، إلا بما كسبت أيديكم ، وما يعفو الله أكبر )) .

[ ورد في الأثر ]


رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى



النقطة الدقيقة في هذا اللقاء : قال تعالى :



? فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى ? .



فرعون سأل سيدنا موسى :

? قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ? .

( سورة طه ) .

ما معنى قول النبي ؟

(( أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ )) .

[ ابن ماجه عن ابن عمر ]
ما قال : أعطوه أجراً ، أجره الذي يعادل جهده ، أجره الذي يحقق له كرامته ، بالمقابل :

? قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ?

أعطاه الخلق الكامل :



الإنسان خَلَقه الله خَلْقًا كاملاً :





? لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ? .

( سورة التين )



1 – العينان :



أعطاه عينين ، لماذا أعطاه عينين ، ولم تكن عيناً واحدة ؟ بالعينين يدرك البُعد الثالث ، بعين واحدة يدرك بُعدين ، الطول والعرض ، بالعين الثانية تدرك البعد الثالث ، أنت ترى الطول والعرض والعمق ، والدليل أنك بعينٍ واحدة لا تستطيع أن تضم إبرة ، يأتي الخيط بعيدا عن الإبرة عشرة سنتيمترات ، بالعينين معًا تعرف المسافة .



? أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ ? .

( سورة البلد ) .

العين جعل مادة مضادة للتشنج ، بالميل متر المربع في شبكية العين في مئة مليون مستقبل ضوئي ، عصية ومخروط بالميل متر مربع بشبكية العين فيها مئة مليون من أجل صورة دقيقة جداً ، من أجل أن تميز بين 8 ملايين لون ، واللون الواحد لو دُرج 800 ألف درجة لفرقت العين البشرية بين لونين ، لذلك :

? لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ?

2 – الشَّعرُ :



أعطاك شَعرا ، ففي الرأس تقريباً بالشكل المتوسط 300 ألف شعرة ، لكل شعرة وريد ، وشريان ، وعصب ، وعضلة ، وغدة دهنية ، وغدة صبغة ، والحكمة البالغة أنه ليس في الشعر أعصابُ حسٍّ ، لو فيه أعصاب حس لكانت عملية حلاقة الشعر تحتاج إلى مستشفى ، وإلى تخدير كامل ، هذه من حكمة الله عز وجل .



3 – الأنف :



الأنف فيه عشرون مليون عصب شمٍّ ، ينتهي كل عصب بسبعة أهداب ، الهدب مغمس بمادة تتفاعل مع الرائحة ، تتشكل شكلا هندسيا ، كرة ، موشورا ، هرما ، هذا الشكل رمز الرائحة ، يشحن إلى الدماغ للذاكرة الشمّية ، وعندنا عشرة آلاف بند ، هذا الشكل يعرض إلى أن يتوافق هذا الشكل مع هذا الشكل تقول : هذه رائحة كمون في الأكل ، مثلاً ، فالشمّ آلية معقدة جداً .

? لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ?

? أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ?



4 – الأذنان :



الأذنان : لمَ لمْ تكن أذنا واحدة ؟ بالأذن الواحدة لا يمكن أن تعرف جهة الصوت ، بالأذنين تعرف الجهات ، هناك صوت بوق لمركبة من اليمين ، دخل هذا الصوت إلى هذه الأذن قبل هذه ، والفرق الزمني واحد على 1620 جزءا من الثانية ، فأدركت أن المركبة على اليمين ، فأعطاك الدماغ أمرًا بالانحراف نحو اليسار ، وهذه آلية معقدة جداً .

? قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ ?



5 – القدَمانِ وآلية التوازن :



هدانا إليه ، لو أن الإنسان ليس عنده قنوات توازن في الأذن لاحتاج إلى قَدَم مساحتها 70 سم حتى يقف ، يحتاج إلى قاعدة ارتكاز واسعة جداً ، أما لأن في الأذن جهاز توازن فيمكن عند الميل أن يصحح التوازن ، ولولا هذا الجهاز لم ركب إنسان دراجة إطلاقاً ، ولا مشى إنسان على الأرض ، فالقدمان لطيفتان بحجم معقول جداً ، وأنت واقف .

إذاً : التوازن من آيات الله الدالة على الله .



6 – أعصاب الحس في الأسنان :



وضع الله عز وجل في لبّ السن عصب حسي ، ليس له فائدة ، إذا بدأ النخر ، ووصل إليه لا تنام الليل ، تسارع إلى الطبيب ، ولولا هذا العصب لخسر الإنسان كل أسنانه ، العصب الحسي جهاز إنذار مبكر .



7 – آلية اجتماع اللعاب في أثناء النوم :



وأنت نائم غارق في النوم يجتمع اللعاب في فمك ، تذهب رسالة إلى الدماغ ، اللعاب زاد على حده ، يأتي أمر من الدماغ وأنت نائم ، يفتح البلعوم لسان المزمار ، يغلق القصبة الهوائية ، يفتح المريء فتبلع ريقك ، وأنت نائم :

? لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ?



8 – البروستاتة :



البروستاتة تقع بين مجرى البول ومجرى ماء الحياة ، عند الالتقاء ، هذه في اللقاء الزوجي تفرز مادة مطهرة ، ومادة مغذية ، ومادة معطرة ، هذه البروستاتة موضعها في مكان حرج عند ملتقى ماء الحياة مع بول الإنسان ، ففي حال الحمل يجب أن يكون المجرى طاهراً ، فتفرز مادة مطهرة ، ومغذية ، ومعطرة :

? لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ?



الخاتمة :



الموضوع طويل جداً ، موضوع أن نكتشف عظمة خلق الإنسان ، هذا من التفكر في خلق السماوات والأرض .



? إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ? .

( سورة آل عمران ) .

إنّ جزءًا من الإيمان أن تتفكر في خلق السماوات والأرض ، المعلومات موجودة ، لكن لا تقرأ هذه المعلومات قراءة إيمانية ، ندرسها في كلية الطب ، لكن لا تقرأ قراءة إيمانية .

لو فكر الإنسان في جسمه ، فكر في حواسه الخمس ، فكر في أجهزته ، فكر في جهاز الدوران ، في القلب ، في جهاز الأعصاب ، في جهاز الهضم ، فهذه آيات دالة على عظمة الله عز وجل :

? قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ ?





1 – العطاء الدنيوي ينقضي بفناء الدنيا :



أيها الإخوة الكرام ، لا زلنا في اسم ( المعطي ) ، ولو تساءلنا : ماذا يعطينا الله عز وجل ؟ يعطينا نعماً دنيوية ، يعطينا الصحة ، يعطينا القوة ، يعطينا المال ، يعطينا الجمال ، ويعطينا نعماً إيمانية ، يعطينا السكينة ، يعطينا الأمن ، يعطينا الرضى ، يعطينا السعادة ، يعطينا نعماً لا تعد ولا تحصى ، لكن نعم الله عز وجل ما كان منها في الدنيا تنقضي بانقضاء الدنيا .

فلذلك يقول الله عز وجل :



? فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ? .

( سورة الفجر ) .

جاء الجواب مع الردع :

? كَلَّا ? .

( سورة الفجر ) .

2 – الرضى بالعطاء والمنع هو رضى بالقضاء والقدر :



يعني : يا عبادي ، ليس عطائي إكراماً في الدنيا ، ولا منعي حرماناً ، عطائي ابتلاء ، وحرماني دواء .

فلذلك الله يعطي الصحة ، والذكاء ، والقوة ، والجمال ، والمال للكثيرين من خَلقه ، ولكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين ، يعطيك نعماً إيمانية ، يعطيك الرضى ، فأنت راضٍ عن الله ، راضٍ عن نفسك ، بمعنى أنك قبلت قضاء الله وقدره ، راضٍ عمّا نزل بك من مِحنٍ ، ليقينك القطعي أنه هناك حكمة بالغة .

فلذلك أيها الإخوة ، حينما نؤمن أن كل شيء بقضاء من الله وقدر ، وأن الإيمان بالقدر يذهب الهمّ والحزن ، وأن الإيمان بالقدر نظام التوحيد نكون قد عرفنا حقيقة العطاء ، لكن ولكل شيء حقيقة ، فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

(( لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةٌ ، وَمَا بَلَغَ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ )) .

[ أخرجه أحمد في مسنده]أ



وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ، وَلَا تَعْجَزْ ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ : لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا ، وَلَكِنْ قُلْ : قَدَرُ اللَّهِ ، وَمَا شَاءَ فَعَلَ ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ )) .

[ رواه مسلم ]

ولا ينبغي للمؤمن أن يقول : لو ، ليس في قاموس المؤمن كلمة ( لو ) ، لو لم أَسِرْ في هذا الطريق لم يقع الحادث ، هذا طريق مسدود ، لكن قل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( لَكِنْ قُلْ : قَدَّرَ اللَّهُ ، وَما شاء فَعَلَ ، فإنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطانِ )) .



وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ



الله عز وجل حينما يقول :



? وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ ? .

( سورة العنكبوت الآية : 45 ) .

مِن أدق معاني هذه الآية أن ذِكركَ لله عز وجل أكبر من كل شيء ، وأن الله يذكرك ، لكن ذكر الله لك أكبر من ذكرك له ، فإذا ذكرته أديت واجب العبودية ، لكنه إذا ذكرك أعطاك الأمن ، والأمن نعمة خاصة بالمؤمنين .



? سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ? .

( سورة آل عمران الآية : 151 ) .

أما المؤمنون :



? فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ? .

( سورة آل عمران ) .

إذاً : ذكر الله لك أكبر من ذكرك له ، إن ذكرك منحك الحكمة .



? وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيراً ? .

( سورة البقرة الآية : 269 ) .

ذكر الله لك يمنحك السكينة ، سعادة ما بعدها سعادة ، لا يعرفها إلا من ذاقها ، إذا ذكرك الله عز وجل أعطاك الرضى ، لذلك يعطي الله نِعماً دنيوية ، ويعطي نعما أخروية ، أو يعطي نعمًا إيمانية ، النعم الإيمانية تسعد بها إلى أبد الآبدين ، والنعم الدنيوية تنقضي بانقضاء الدنيا .

فلذلك ليس عطائي إكراماً ، ومنعي حرماناً ، عطائي ابتلاء ، وحرماني دواء .



مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ



الآن :



? مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا * كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا ?

( سورة الإسراء ) .

قد يختار إنسان الغنى ، ثم يموت ، وتبقى أغانيه تذاع في الإذاعات إلى يوم القيامة ، وقد يختار إنسان القرآن ، ثم ويموت ، وتبقى تلاوته تذاع في الإذاعات إلى يوم القيامة :

? كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ ?

هناك إنسان بنى مسجدا ، وإنسان بنى ملهى ، الإنسان مخير ، فاختر ما شئت ، وافعل ما شئت ، لكن كل شيء له حسابه .

? كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا ?

الله عز وجل لا يتعامل مع التمنيات .



? لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ? .

( سورة النساء الآية : 123 ) .

التمنيات بضائع الحمقى ، الله عز وجل يتعامل مع الصدق .



وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا







? وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا ? .

( سورة الإسراء الآية : 19 ) .

علامة إرادتها صادقاً :



? وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا ? .

( سورة الإسراء الآية : 19 ) .

فلذلك هذه الآية أصل في العقيدة ، الله عز وجل خلقك ، منحك حرية الاختيار ، وقال لك : عبدي اطلب تُعْطَ ، إن أردت الدنيا أخذت الدنيا ، لكن ما لك :



? فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ ? .

( سورة البقرة الآية : 200 ) .

إن أردت الآخرة تأتك الدنيا وهي راغمة ، لذلك أقول دائماً : من آثر آخرته على دنياه ربحهما معاً ، ومن آثر دنياه على آخرته خسرهما معاً .

إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ





الآية الكريمة :



? إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ? .

( سورة الكوثر ) .

أيها الإخوة ، أيّ عطاء ينتهي بالموت ليس في كرم الله عطاء ، لكن عطاء الله عطاء أبدي مستمر ، فلذلك :

? إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ?

قال علماء التفسير : كل مؤمن بقدر إيمانه ، واستقامته وعمله الصالح له من هذه الآية نصيب .



? وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ? .

( سورة الشرح ) .

كل مؤمن بحسب إيمانه ، واستقامته ، وإخلاصه له من هذه الآية نصيب ، أما العطاء البدي السرمدي الذي خلقنا من أجله :



? وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ ? .

( سورة هود ) .



العاقل من يعيش المستقبل :



كلنا ينتقل من بيت إلى قبر ، والبيت معتنى فيه جداً ، فيه زوجة وأولاد ، وغرف ضيوف ، وغرف جلوس ، مطبخ ، حمام ، مركبة واقفة عند الباب ، هناك نزهات ، فإذا توقف القلب وُضع في القبر ، ماذا في القبر ؟

الذكاء والتوفيق والعقل أن تعيش المستقبل ، لا أن تعيش الماضي ، ولا أن تعيش الحاضر ، الذي يعيش الماضي غبي ، لأنه ما مضى فات والمؤمل غيب ، ولك الساعة التي أنت فيها ، والذي يعيش المستقبل هو أعقل العقلاء ، ماذا في المستقبل ؟ مغادرة الدنيا ، ماذا أعددنا لهذه الساعة ؟ فلذلك الجنة عطاء غير محدود ، لكن ما هي الخسارة ؟



? قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ?

( سورة الزمر الآية : 15 ) .

إنسان باع بيته ، وباع معمله ، وباع بيت المصيف ، وباع بيتا على البحر ، وباع كل أدواته ومركباته ، وهذا المبلغ بطريقة أو بأخرى فَقَده ، يشعر بخسارة لا تحتمل ، الآخرة الخسارة فيها أشد ، خُلقت للأبد فخسرت الأبد ، من أجل سنوات معدودة أمضاها الإنسان في المعاصي والآثام .



3 – المعنى التوحيدي في العطاء والمنع :



كن مع الله تر الله معك واترك الكل وحاذر طمعك

هناك معنى توحيدي في العطاء .

وإذا أعطــاك من يمنعه ثم من يعطي إذا ما منعـك
يدخل التوحيد في معنى العطاء ، لأنه لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، علاقتك مع الله ، فهذا هو التوحيد الله وحده هو الرافع ، والخافض ، والمعز ، والمذل والمانع ، والمعطي ، ولا إله إلا الله ، وهذا الدين لا يقوم إلا على التوحيد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، ونهاية العلم التوحيد ، ونهاية العمل التقوى .

ربما أعطاك فمنعك ، وربما منعك فأعطاك ، هذا معنى قوله تعالى :



? وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ? .

( سورة لقمان الآية : 20 ) .

المصائب والحرمان والمتاعب نِعَمٌ باطنة ، لأن الله عز وجل يقول :



? مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ? .

( سورة النساء الآية : 147 ) .

حينما يؤمن الإنسان ويشكر تنتهي كل المعالجات ، لأنه حقق الهدف من وجوده ، إذاً :

إذا أعطـــاك من يمنعه ثم من يعطي إذا ما منعك
لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعك ، علاقتك مع الله عز وجل .

فلذلك سيدنا سعد ابن أبي وقاص إذا دخل على النبي عليه الصلاة والسلام كان يداعبه ، لأنه يحبه حباً جما ، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : أَقْبَلَ سَعْدٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( هَذَا خَالِي ، فَلْيُرِنِي امْرُؤٌ خَالَهُ )) .

[ الترمذي ]
وفداه بأبيه وأمه .

(( ارْمِ سَعْدٌ فِدَاكَ أَبِي وَأُمّي )) .

[ أخرجه الشيخان عن علي بن أبي طالب ] .

وبعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له عمر كلمة توحيد ، قال له : << يا سعد ، لا يغرنك أنه قد قيل : خال رسول الله ، فالخلق كلهم عند الله سواسية ، ليس بينه وبينهم قرابة إلا طاعته >> .

هذا المعنى يدفعنا إلى الله دفعاً ، كلنا عباده ، وتجري علينا مقاييس واحدة ، ونقيّم بقيمٍ واحدة .



? إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ? .

( سورة الحجرات الآية : 13 ) .

أحياناً تأتي المصيبة فتكون سبب الهداية ، حينما تكشف لك حكمتها تذوب كالشمعة محبة لله ، هذا معنى قوله تعالى :



? وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ? .

( سورة البقرة ) .

يجب أن تؤمن إيماناً قطعياً أن المصائب نِعَمٌ ، وأن الرضى بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين ، وأن المصائب تعني أنك ضمن عناية الله ، وأن المصائب تعني أنك ضمن رحمة الله ، لذلك :



? فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ ? .

( سورة الأنعام الآية : 147 ) .

مما تقتضيه رحمة الله .



? وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ? .

( سورة الأنعام ) .

صدقوا أيها الإخوة ، إذا دخلت إلى مسجد فقد تجد عددا كبيرا جداً من رواد المسجد اصطلحوا مع الله عقب تدبير حكيم ، عقب شبح مصيبة ، عقب تهديد ، عقب خطورة على الرزق ، خطورة على المنصب ، فالإنسان ليس له إلا الله ، وحينما قال الله عز وجل :



? إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ ?

( سورة المعارج ) .

4 – العطاء من صفات الأنبياء والمؤمنين :



فإنه يعني أن الإنسان شحيح ، وحريص على ما في يديه ، لكنه إذا اتصل بالله عز وجل أصبح سخياً ، كما أنه يتلقى من الله عطاء ، يتقرب إلى الله بكمال مشتق من كماله فيعطي ، فلذلك الأقوياء أخذوا ولم يعطوا ، والأنبياء أعطوا ولم يأخذوا ، والمؤمن يبني حياته على العطاء ، كيف ؟



? فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ? .

( سورة الليل ) .

بنى حياته على العطاء ، بالتعبير المعاصر بنى استراتيجيته على العطاء ، العطاء سمة عميقة من سماته ، فيعطي من وقته ، ويعطي من ماله ، ويعطي من خبرته ، ويعطي من عضلاته في سبيل مرضاة الله عز وجل ، لذلك قال الله تعالى :



? مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ? .

( سورة البقرة الآية : 245 ) .

فأيّ عمل صالح فهو في حقيقته قرض لله عز وجل .

5 – المنع هو عطاء من الحكيم :



الآن : إذا كشف لك الحكمة في المنع عاد المنع عين العطاء ، وأحياناً :



? وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ? .

( سورة الشورى ) .

في آية ثانية :



? وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ? .

( سورة التغابن الآية : 11 ) .

إلى حمتها ، فإذا كشف الله لك الحكمة فيما ساقه إليك عاد المنع عين العطاء ، ومن أدق الأحاديث الشريفة :

(( إن الله ليحمي صفيه من الدنيا كما يحمي أحدكم مريضه من الطعام )) .

في رواية أخرى :

(( إن الله ليحمي صفيه من الدنيا كما يحمي الراعي الشفيق غنمه عن مراتع الهلكة )) .

[ أخرجه البيهقي عن حذيفة بسند فيه ضعف ]

حينما تؤمن أنك بعين الله ، وبعنايته ، وبرعايته ، وبحكمته ، وأن الذي ساقه إليك محض محبة ، ومحض حكمة ، ومحض خير ترضى عن الله .

كان أحدهم يطوف حول الكعبة فقال : " يا رب ، هل أنت راضٍ عني ؟ كان وراءه الإمام الشافعي ، قال له : يا هذا ، هل أنت راضٍ عن الله حتى يرضى عنك ؟ قال له : سبحان الله ! مَن أنت يرحمك الله ؟ قال له : أنا محمد بن إدريس ، قال له : كيف أرضى عن الله ، وأنا أتمنى رضاه ؟ هذا الكلام ما فهمه ، قال له : إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله " ، والدليل :



? رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ? .

( سورة المائدة الآية : 119 ) .

يجب أن ترضى عن الله ، يجب أن ترضى عن قضائه وعن قدره ، وعن حكمته ، حين جعل إنسانا ذا دخل محدود ، يا رب ، لك الحمد ، وإذا جعل إنسانا آخر بدخل غير محدود ، يا رب ، لك الحمد ، تتمتع بصحة جيدة ، يا رب ، لك الحمد ، فيك بعض الأمراض ، يا رب ، لك الحمد ، زوجة صالحة جداً ، يا رب لك الحمد ، زوجة متعبة ، يا رب لك الحمد .

عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ ؛ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ )) .

[ مسلم ]



وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى





أحيانا يمضي الإنسانُ سنوات طويلةً في الدراسة في بلد أجنبي ، ولا دخل له ، ووالده فقير ، فيشتغل هذا الطالب في مطعم ، أو يشتغل حارسا ، ويدرس في النهار ، وضعه المنظور مؤلم جداً ، لكن هذا مستقبله مشرق جداً ، حينما ينال الشهادة ، ويعود إلى بلده ، ويعيّن بمنصب رفيع ، وله دخل وفير ، وله مكانة اجتماعية ، ينسى كل التعب الذي أصابه ، فلذلك :



? وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ? .

( سورة الضحى ) .

أحيانا يقول الطبيب للمريض : تحمّل الآلام ، إن شاء الله هناك شفاء مع الآلام .

الإنسان بين يدي ربه مستسلم

? وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ?

هذه الآية لرسول الله عليه الصلاة والسلام ، ولكنها تنسحب على كل مؤمن بقدر إيمانه واستقامته وإخلاصه

? وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ? .

الآن : عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ :

(( آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً ، فَقَالَ لَهَا : مَا شَأْنُكِ ؟ قَالَتْ : أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا ، فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا ، فَقَالَ : كُلْ ، قَالَ : فَإِنِّي صَائِمٌ ، قَالَ : مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ ، قَالَ : فَأَكَلَ ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ ، قَالَ : نَمْ ، فَنَامَ ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ ، فَقَالَ : نَمْ ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ ، قَالَ سَلْمَانُ : قُمْ الْآنَ فَصَلَّيَا ، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ : إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : صَدَقَ سَلْمَانُ )) .

6 – أَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ



أنت تتلقى من الله العطاء ، لكن ينبغي أن تتخلق بهذا الكمال الإلهي ، أن تعطي ، لذلك كان عليه الصلاة والسلام يعطي عطاء من لا يخشى الفقر ، المؤمن كريم ، والكرم أحد أساسيات إيمانه ، لأنه أيقن أن الدنيا ممر للآخرة ، وأن ثمن الآخرة العمل الصالح ، وأن حجمك عند الله بحجم عملك الصالح ، فبقدر تضحياتك ترقى عند الله .

والله أنا ألتقي مع بعض الأشخاص يرسل من ماله الشيء الوفير للحق ، للدعوة ، لنشر الحق ، لإطعام الفقراء والمساكين ، والله أقول له كلمة : أنت تعمل بذكاء وبعقل ، لأنك آمنت بالآخرة ، وتعمل الآن لها .

((فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ )) .

" إن لله عملاً بالليل لا يقبله في النهار ، وإن لله عملاً بالنهار لا يقبله في الليل " .

الله عز وجل يحاسبك على زوجتك ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ :

(( دَخَلَتْ عَلَيَّ خُوَيْلَةُ بِنْتُ حَكِيمِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْأَوْقَصِ السُّلَمِيَّةُ ، وَكَانَتْ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ ، قَالَتْ : فَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَذَاذَةَ هَيْئَتِهَا ، فَقَالَ لِي : يَا عَائِشَةُ ، مَا أَبَذَّ هَيْئَةَ خُوَيْلَةَ ! قَالَتْ : فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، امْرَأَةٌ لَا زَوْجَ لَهَا ، يَصُومُ النَّهَارَ ، وَيَقُومُ اللَّيْلَ ، فَهِيَ كَمَنْ لَا زَوْجَ لَهَا ، فَتَرَكَتْ نَفْسَهَا ، وَأَضَاعَتْهَا ، قَالَتْ : فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ فَجَاءَهُ ، فَقَالَ : يَا عُثْمَانُ ، أَرَغْبَةً عَنْ سُنَّتِي ؟ قَالَ : فَقَالَ : لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَلَكِنْ سُنَّتَكَ أَطْلُبُ ، قَالَ : فَإِنِّي أَنَامُ وَأُصَلِّي ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ ، وَأَنْكِحُ النِّسَاءَ ، فَاتَّقِ اللَّهَ يَا عُثْمَانُ ، فَإِنَّ لِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَإِنَّ لِضَيْفِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَإِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، فَصُمْ وَأَفْطِرْ ، وَصَلِّ وَنَمْ )) .

[ أحمد ]
(( وجاءت في اليوم التالي عطرة نضرة ، فسألتها السيدة عائشة ، ما الذي حصل ؟ قالت : أصابنا ما أصاب الناس )).

[ الطبراني عن أبي موسى الأشعري ]
حقوق العباد مبنية على المشاححة ، وحقوق الله مبنية على المسامحة ، فالزوجة لها حق ، والابن له حق ، وأنت كطبيب هذا المريض له حق عندك ، يجب أن تنصحه ، وأنت كمحامٍ هذا الموكل له حق عندك ، وأنت كمدرس هذا الطالب له حق عندك .

((فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ )) .

7 – لابد أن يكون العطاء لله والمنع لله :



لكن في النهاية عندنا معنى دقيق جداً : من أحب لله ، وأبغض لله ، وأعطى لله ومنع لله ، فقد استكمل الإيمان ، المؤمن عطاءه وفق مبادئه ، يعطي لله ، ويمنع لله ، يرضى بحسب مبادئه ، يرضى ويغضب ، يرضى لله ، ويغضب لله ، يصل لله ، ويقطع لله ، ليس عنده عمل عشوائي ، وعادات وتقاليد مسيطرة عليه ، يتحرك وفق مبادئ وقيم .

عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :

(( مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ ، وَأَعْطَى لِلَّهِ ، وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدْ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ )) .

[ أبو داود ]
الله عز وجل يعطي الصحة والذكاء ، والمال والجمال والقوة للكثيرين من خَلقه ، ويعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين ، ويعطي الحكمة بقدر ، ويعطي الرضى بقدر ، ويعطي الشعور بالفوز بقدر ، الله عنده عطاءات دنيوية ، وعطاءات أخروية ، وعطاءه غير محدود .

وإذا أعطاك من يمنعه ثم من يعطي إذا ما منعك


الخلاصة الجامعة :



والعطاء متعلق بالتوحيد ، كل هذه المعاني الأولى متعقلة باسم الله ( المعطي ) ، لكن ينبغي أن تتخلق بخلق العطاء ، النبي عليه الصلاة والسلام سأله أحد رؤساء القبائل : لمن هذا الوادي من الغنم ؟ قال له : هو لك ، قال : أتهزأ بي ؟ قال له : لا والله ، هو لك فقال : أشهد أنك رسول الله تعطي عطاء من لا يخشى الفقر ، وأنت إذا أعطيت أعطاك الله .

(( أنفق ، أنفق عليك )) .

[ متفق عليه ] .

(( أنفق يا بلال ، ولا تخشى من ذي العرش إقلالا )) .

[ أخرجه السيوطي عن بلال] .

والصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير .

(( باكروا بالصدقة ، فإن البلاء لا يتخطى الصدقة )) .

[ أخرجه البيهقي عن أنس ] .

والله عز وجل يسترضى بالصدقة ، هذه خبرة عند المؤمنين ، والله عز وجل حينما ترجو منه شيئاً ، وتتوسل لهذا الرجاء بصدقة تنفقها على نية التوفيق ، أو تحقيق ما تصبو إليه ، فالله عز وجل يسترضى .

إذاً : كما أن الله أعطاك نعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد ، ونعمى الهدى والرشاد ينبغي أن تبني حياتك على العطاء ، والناس كما تعلمون على اختلاف مللهم ونحلهم ، وانتماءاتهم وأعراقهم وأنسابهم وطوائفهم لا يزيدون على رجلين ؛ رجل عرف الله فانضبط بمنهجه ، وأحسن إلى خلقه ، وبنى حياته على العطاء فسعد في الدنيا والآخرة ، ورجل غفل عن الله ، وتفلت من منهجه ، وأساء إلى خلقه ، فشقي وهلك في الدنيا والآخرة ، والآية :



? وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ? .

( سورة الليل ) .

المكافأة الإلهية :

? مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ? .



? وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى * وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى ? .

( سورة الليل ) .



والحمد لله رب العالمين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://aslmk.asiafreeforum.com
 
من أسماء الله الحسنى المُعطي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» من أسماء الله الحسنى الخلاق
» من أسماء الله الحسنى الأكرم
» من أسماء الله الحسنى القدير
» من أسماء الله الحسنى الرب
» من أسماء الله الحسنى القاهر

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات بستان العارفين :: المنتديات الاسلاميه :: أسْماءُ الله الحُسْنىَ-
انتقل الى:  
المواضيع الأخيرة
» المصحف الإلكتروني
من أسماء الله الحسنى   المُعطي       Emptyالسبت ديسمبر 29, 2018 8:15 am من طرف ebrehim

» الحذيفى
من أسماء الله الحسنى   المُعطي       Emptyالسبت ديسمبر 29, 2018 8:01 am من طرف ebrehim

» يحي حوى
من أسماء الله الحسنى   المُعطي       Emptyالسبت ديسمبر 29, 2018 8:00 am من طرف ebrehim

» يا رسول الله هلكت
من أسماء الله الحسنى   المُعطي       Emptyالإثنين نوفمبر 19, 2018 10:05 pm من طرف ebrehim

» رأيت بياض خلخالها
من أسماء الله الحسنى   المُعطي       Emptyالإثنين نوفمبر 19, 2018 10:04 pm من طرف ebrehim

» أرم فداك أبي وأمي
من أسماء الله الحسنى   المُعطي       Emptyالإثنين نوفمبر 19, 2018 10:02 pm من طرف ebrehim

» ثلاث من كن فيه فهو منافق
من أسماء الله الحسنى   المُعطي       Emptyالإثنين نوفمبر 19, 2018 10:02 pm من طرف ebrehim

» آمنت بالله وكذبت البصر
من أسماء الله الحسنى   المُعطي       Emptyالإثنين نوفمبر 19, 2018 10:01 pm من طرف ebrehim

» إبليس يضع التراب على رأسه
من أسماء الله الحسنى   المُعطي       Emptyالإثنين نوفمبر 19, 2018 10:00 pm من طرف ebrehim

المواضيع الأكثر نشاطاً
المصالـح اليهودية
إعجاز آيات القرآن الترتيب المُحكم لأ رقام الآيات
أعداد الجماعات اليهودية وتوزُّعها في العالم حتى الوقت الحاضر
أساليب المشركين في محاربة الدعوة
نحن على ابواب شهر محرم فاكثروا فيه الصيام
[دعاء مؤثر] ياصاحبي فـي شدتي
ذو القرنين شخصية حيرت المفكرين أربعة عشر قرنا و كشف عنها
صور متحركه
شروط لا إله إلا الله
برنامج افاست avast.AV.Pro.5.1.889+الكراك مدى الحياة الخميس ديسمبر 01, 2011 2:27 am

شريط الإعلانات ||

لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ____________(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا) ..........منتديات الكوثر العالميه
الساعة الأن بتوقيت القاهره)
جميع الحقوق محفوظة لـمنتديات بستان العارفين
 Powered by Aseer Al Domoo3 ®https://orchard.yoo7.com
حقوق الطبع والنشر©2011 - 2010

اهلا بك يا
عدد مساهماتك 0 وننتظر المزيد